تأبينية البخاري حمانة

ذكرى مرور سنة على وفاة المفكر بوخاري حمانة-رحمه الله-


#ذكرى
مرور سنة على وفاة المفكر بوخاري حمانة-رحمه الله-

أنزلت هذه الكلمة المسجلة في اليوتوب وفي النفس ألم من فراق زميلين من أهل الفلسفة بشير ربوح وعبدالحفيظ بلام اللذين ذهبا ضحية مأساة حادث مرور "رحمهما الله"، كما اترحم على صديق لنا أختطفه الموت الاستاذ بوشيبة الطيب -رحمه الله - من جامعة وهران (ادب عربي)، ودعه اهله وزملاؤه منذ ايام فقط وهو أخ الزميل محمد بوشيبة- عظم الله اجره- الذي كان صديقا للبخاري حمانة .
كلمتي التأبينية يوم توديع البخاري حمانة بمقبرة عين البيضاء بوهران:

أستاذي وأخي وصديقي البخاري حمانة، رحمك الله – اليوم يودّعك طلبتك وزملاءك من مختلف الجامعات الجزائرية وكلّهم حزنٌ وألمٌ على فراقك، يفتقدون اليوم مفكرا وفيلسوفا جلس إليه مئات الطلبة طيلة خمسين عاما من مختلف التخصّصات، لم يبخل بعلم أو نصيحةٍ وتوجيهٍ، كنت سخيّاُ في عطائك العلمي وفي كرم وقتك للطلبة والأصدقاء.

أستاذُنا وصديقنا البخاري حمانة من يعوّضك اليوم في نشر الأمل والإصغاء إلى مشاكل الطلبة، كنت مُحاورًا على طريقة مشايخك الفلاسفة اليونانيين والمسلمين حين كنّا نجيد الشَّعْبُ في الثمانينات، وكنت عنيدًا وطنيًا في مواقفك تُجاه من تراهم يخدشون تاريخ الثورة الجزائرية أو الإسلام والصّحابة.

أخي البخاري نَحزن لفراقك ولا نقول إلاّ ما يرضى ربنا ولا نشهد إلاّ ما شهد لك أبناؤك الطلبة وأصدقاؤك الذين أحبُّوك ويفرحون للُقْياكَ مبتسمين يتمنّون دوام اللقاء فكيف كنّا نتّمنى لحظات لقياك دائمة واليوم تفارقنا إلى الأبد؟

أستاذنا وشيخنا البخاري – رحمك الله وجعلك من الصدّيقين والشهداء - اخترت العلم والمدرج وتقليب صفحات الكتب، وفي العشرين عامًا فضّلت خلوة في مكتبٍ متواضعٍ جدًا اتخذناه مزاراً يوميًا لنجدّد لك عهد المشيخة فكان منتدى للحديث في العلم والسياسة والحياة اليومية وتكتفي يومك بتمرات وبقليل من الحليب، وينتظرونك شغفّا الآخرون من كلّ المستويات والأعمار للحديث معك.

وأيها الصَّديق الصِّدّيق كنت توزّع الابتسامة والفَرحة على الجميع، تُحرّك العقل والقلب، تُزهي الجلسة حتى حين تحزن يصبح الحزن فرحاً، وهي فلسفة حياة اخترتها، وكنت دومًا تتحّدث عن الموت الذي اختطفك منّا كأكبر تحدٍّ إلهي في الوجود، وقرأت بالموت مأساة الانسان، فيحضُر في نصّك وعبارتك المعرّي والغزالي وساتر وميرلوبونتي، كما قرأت الموت في زمن الإرهاب – التسعينات – فلم تَخف ولم تجفل من قول الحقّ والحقيقة، وصدعت برأيك وتلك شجاعة ميزتك.

أيها المجاهد – البخاري حمانة – رحمك الله، وأثابك عن جهادك ومحبتك لهذا الوطن، كشفت تاريخ بلدك وثورتها فقرأتها فكرة وأملاً إنسانياً وقدّمت حولها أطروحتك فلم تعد أحداثًا وزمنًا فقط بل هي قيمٌ وفلسفة ورؤية للوجود والدولة والكون، كنت تنقل أخبارها وتفرح لانتصارات المجاهدين وأنت صحفي في وكالة الأنباء، 0وربطت علاقات مع الزعماء والوطنيين.

أيها المحّب لرسول الله (ص) – رحمك الله- كنّا لا نجد تفسيرا لتلك العلاقة الروحية مع حبّك لرسول الله، تحفظ أشعار مدح نبينا – صلى الله عليه وسلم- وتتحدث عنه بلغة المحبين العاشقين، كما تتحدث عن النفس والجمال والخير والمحبة – بلغة محي الدين بن عربي وبرغسون، المحبّة والحكمة عندك مجتمعان لا لون لهما ولا إيديولوجية ولا وطن لهما.

آهّ، أخي البخاري حتى وأنت على فراش المرض وتقول لنا: "أنا مودّعكم" ولم تبخل عليّ وعلى أصدقائي بالنصيحة والمزحة والأمل، آه كم يقتلني الأسى حين عبّرت دومًا عن شوقك لزيارة بيت الله وقبر رسوله، ونحسبها النية حجًّا أيضا نكتب لك في الحسنات أيضا "كل امرئ ما نوى" وقد حجَيّت بعقلك وروحك وأشواقك، فقد كتب شيخك التوحيدي، رسالة "الحجّ العقلي إذا ضاق الفضاء عن الحجّ الشرعي".

كنت ترفض دعوات في سنواتك الأخيرة تأتيك من العاصمة، وقلت لي: " الآن لا أحبّ السّفر و أنا في أرذل العمر إلاّ زيارة الله (في بيت الحرام) وقمّار (وادي سوف) مسقط رأسك. ذاك أمل يُعذّب الحيّ الذي بعدك و ليست الميت.

البخاري حمانة – زاهدُ المناصب ساخرٌ من الذين يلهثون من أجلها، ها نحن اليوم نواريك الثّرى إلى أصدقائك وأصدقائنا منهم يحي بوعزيز، إبراهيم فخار، حميد حمادي، بوعلام بلقاسي، عبيد أحمد وغيرهم من الأفاضل والذين قضَوا معك ردحًّا من الزّمن، نودّعك كما ودّعناهم، تجمعنا الموت وتفرقنا الحياة.

رحمك الله وسكنك فسيح جناته، كم كنتُ أرى اليُتم في عينيك وأنت تسألني عن بَرّي بأمي وأبتي وتوصيني بهما خيراً، وكم يحزننا الآن اليتم بعدك فقد كنت الأب والصّديق والأخ والشيخ والمعلم. منقول عن الصديق بوزيد بومدين


تم عمل هذا الموقع بواسطة